رجع القوم بعد أن احتفلوا بعيدهم فرأوا ما حلّ بأصنامهم فراعهم ذلك، وتساءلوا فيما بينهم عن الفاعل الظالـم الذي نال من مقدساتهم، فأشار بعضهم إلى أنَّ هناك فتىً يُقال له إبراهيم كان يذكر هذه الأصنام وكان من عادته أن يعيبها ويسخر منها، وما نظنّ أن فعل بها هذا الفعل إلاَّ هو.
ووصل نبأ الاعتداء على الأصنام إلى الحكام فجيء بإبراهيم(ع) فسألوه ] أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم[ (الأنبياء:62), ولكنَّ إبراهيم استطاع بطريقة لبقة وأسلوب حكيم أن ينفي علاقته بالأمر وأحال هذا الفعل إلى كبيرهم، ] قال بل فعله كبيرهم هذا[ والشاهد على ما فعله بقية الأصنام ] فاسألوهم إن كانوا ينطقون[ (الأنبياء:63).
انساق القوم فوراً لكلام إبراهيم(ع) وانزلقوا في هذا المزلق، فبدأ بعضهم يؤنب بعضاً على اتهامهم لإبراهيم(ع) واعتبروا أن من اتهمه كان من الظالمين ] فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنَّكم أنتم الظالمون[ (الأنبياء:65)، لأنَّها معبودات لا تستطيع أن تنطق، ولكن لـم يلبث القوم أن استفاقوا واصطدموا بالحقيقة فأطرقوا رؤوسهم خجلاً إذ كيف بهم أن يسألوا أصناماً لا تنطق وأنت يا إبراهيم تعلم أنَّهم لا ينطقون فكيف تطلب منّا أن نسألها ] ثُمَّ نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون[ (الأنبياء:65).
وقع القوم في مأزق لـم يكونوا يتوقعون حصوله، فبدأوا العمل على تجاوزه، وإبطال مفاعليه، إذ خشي هؤلاء أن يُفتضح أمرهم، وإذ نفدت كلّ الحجج التي كانت لديهم، فعدلوا عن الجدل والمناظرة إلى استخدام القوّة فأصدروا على إبراهيم حكماً بالموت حرقاً، ] قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين[ (الأنبياء:68) ولكن مشيئة اللّه كانت أكبر من مكائدهم، وبإذن منه تحوّلت النّار التي أوقدوها لإبراهيم ] برداً وسلاماً على إبراهيم[ (الأنبياء:69).