المعجزة عبارة عن عمل خارق للمألوف، فالحياة تحکمها قوانين طبيعية تنهض على أساس من العلّة و المعلول و الأسباب و النتائج؛ فتحول عصا الى أفعي مثلا ً يعد خرقا ً للقانون الطبيعي.
ولإثبات الجانب الإعجازي في الأئمة الاطهار (عليهم السلام) نبحث أولا ً ما يلي:
هل المعجزة أمر ممكن؟
يقول البعض باستحالة المعجزة أساساً، و ان کل ظاهرة طبيعية لابد من و جود علّة ما وراءها، فمن الثابت عقلا ً ان کل شيء يستقي وجوده من سلسلة من العلل و ان هناك ارتباطاً ًقائما ً بين العلّة و المعلول و ان لکل معلول علّة خاصّة من نفس السنخ و ان قانون العلّية شامل يحکم العالم و الوجود بأسره، و انّه ليس هناك استثناء.
وإذن کل ظاهرة لابد و أن تستمد و جودها من علّة خاصّة بها، لأن من المحال عقلاً وجود معلول دون علّة، و في ضوء ماتقدّم کيف يمکن أن تتحول عصا و هي لاتملك مقوّمات و علل التحوّل- الى ثعبان؟!!
وبناء على ذلك فان أمرا خارقا ً للعادة أو المعجزة هو مستحيل عقلاً، و في الجواب عن هذا الإشکال:
ان المجزة لاتشکل نفيا ً لوجود العلل و الأسباب لأن تفيسرها لايتضمن ذلك أساساً.
ومن هنا ينبغي أن ننظر الى المعجزة کظاهرة معينة لها علتها الخاصّة و ان الله عزوجل جعل لها علّة للظهور والوجود، و الفرق هنا في علّة المعجزة و اختلافها عن سائر العلل المألوفة طبيعيا ً؛ ثم ان التحولات في الظهور والتغيّر لا نتحصر عقلا ً بما هو معروف لدينا فقد توجد علل أخرى هي مجهولة لدي العقل البشرة؛ ونحن لانستبعد وجود مثل هذه القوة الخارقة التي ينطوي عليها النبي و الإمام، ذلك أن علم النفس يکشف عن وجود طاقات و قابليات مدهشة ينطوي عليها الکائن الإنساني؛ ولعل الذاکرة البشرية هي أفضل ما يمکن التأمّل فيه في هذا المضمار والتي تکشف عن قابلية عجيبة على خزن المعلومات عشرات السنين بکل تفاصيل الحياة من صور وأشياء وعواطف و و.....
والنفس الأنسانية قادرة علي الخلق و التصور في ضوء مشاهداتها الخارجية. ولأن قدرة الإنسان محدودة فان تصوراتها عن الأشياء الخارجية تکون فاقدة للآثار، فالنار التي تتصورها النفس تفتقد الي الاحراق و الدفء، و الشمس التي تتصورها تفتقد أيضا ً إلي آثارها في الإضاءة و الحرارة أيضا.
علي ان النفس الإنسانية قابلة للتکامل، فقد تستطيع بعض النفوس و من خلال الرياضية المشروعة في إطار العبادة و الانقطاع الي الله عزوجل أن تحصل علي قوي ترتقي بها الي مستويات أعلي من المادّة فيمکنها حينئذ الارتباط و الاتصال بعالم الغيب، و من خلال الاتصال بهذا العالم الملکوتي تحصل علي قابليات تمکنها من تحويل العصا الي ثعبان و تبقي في صورتها الجديدة ما دامت النفس متوجهة الي معلولها فإذا انصرفت عنه عادت العصا الي شکلها الأصلي الأول.
ونفس النبي و الامام و هي تستمد قدرتها من عالم الغيب يمکنها أن تتصرف في جواهر الأشياء وبواطنها فتتغير صورة العصا الي صورة ثعبان و کلّ ذلک بقدرة الله عزوجل واهب الصور الذي يجعل من هذه الظواهر شواهد عي صدق أنبيائه و رسله.
وخلاصة القول ان هناک طريقين لبروز الظواهر الجديدة حيث تتغيّر صورالأشياء من شکل الي آخر، فالطريق المتعارف هو مرورالشيء بسلسلة من الأسباب و العلل و التحولات الطبيعية المألوفة للبشر وهذه کما هو معروف تستغرق زمنا ً طويلا ً.
الطريق الآخر هو الفيض الإلهي الذي لايحتاج الي زمن ما وهو مايشکّل خرقا ً للقانون المألوف حيث تأتي إرادة الامام و النبي لتختزل کلّ هذا الزمن الطويل في لحظة واحدة، و کلا الطريقين هما في الحقيقة لهما أسبابهما و عللهما، ذلک ان الجواهر الملکوتي للأشياء هو المعيار في التحولات الصورية جميعا.
من الذي يقوم بالمعجزة؟
هل تتم المجزة مباشرة و من دون الله، أم يتوجه النبي و الإمام الي الله أوّلا ً في طلب ذلک؟
أم انها جزء من قابليات النبي و الإمام و ان مجرّد إرادته في ذلک تتم المعجزة؟ لنتأمل عده الطائفة من الآيات القرآنية:
فعن معجزات سيّدنا عيسي المسيح (عليه السلام) في قوله تعالي:﴿ ... أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ... ﴾ 1.
وفي موضع آخر من القرآن يخاطب الله عزوجل سيّدنا عيسي (عليه السلام) في قوله تعالي:﴿ ... وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ... ﴾ 2.
وعن سيّدنا موسي (عليه السلام) في قوله عز من قائل:﴿ قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾ 3.
ثم نجد في طائفة اخري من الآيات نسبة المعجزات الي الله عزوجل مباشرة کما في قوله تعالي:﴿ ... وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ ... ﴾ 4.
فالقرآن الکريم ينسب المعجزة تارة إلي الأنبياء وتارة الي الله سيحانه ثم نجد في ذلک تفسيرا ً يوضح طبيعة الأمرقال تعالي:
«وماکان لرسول أن يأتي بآية إلابإذن الله فإذا جاء أمرالله قضي بالحق وخسر هنالک المبطلون»﴿ ... وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ 5.
ومن هذه الآية و آيات اخري نستدل علي ان المعجزة کعمل خارق للقانون المألوف لا يمکن وقوعه إلابإذن الله أوّلاً و آخرا ً مع التأکيد علي دور النفس النبويّة في حدوث المعجزة، و الإشارة الي أهميتها في ذلک مع عدم استقلالها عن المشيئة الإلهية، لأن المعجزة هي إرادة الرسول التي تنعکس عن الفيض الإلهي و هو الأساس في کلّ شيء.
اثبات الإعجاز
من المؤکدان القرآن الکريم يؤيّد حدوث المعجزات کأمور خارقة، و انّها تأتي في سياق الآيات والبراهين علي صدق الرسالات و مصداقية الأنبياء.
والقرآن الکريم يزخر بالآيات التي تتحدث عن وقوع معجزات محيّرة للعقول فهناک مثلاً ًعصا موسي و انقلابها ثعبانا ً يلتهم حبال السحرة و عصيهم6 وهناک يده البيضاء، و تحوّل المياة التي يشربها ملأ فرعون الي دم، و مداهمة القمل7.
وهناک انشقاق البحر لموسي و عبور بني إسرائيل و نجاتهم ثم غرق فرعون و جيشه 8.
وهناک تحدث المسيح في المهد، و ابرائه للاکمه و الأبرص و احياء الموتي9.
بل ان القرآن الکريم يطرح نفسه کمعجزة خالدة عبر العصور10.
ومن هنا فان الايمان بالقرآن الکريم ککتاب سماوي يستلزم التصديق بالمعجزات التي أشاراليها. وان أيّة محاولة لتفسير الآيات بشکل يتضمّن انکار أصل المعجزة بمثابة انّکار للقرآن نفسه.
وإضافة الي القرآن الکريم فإننا أمام کم هائل من الوثائق التاريخية التي تؤيّد وقوع حوادث خارقة للمألوف.
ولا ينحصر الايمان بالمعجزات بالمسلمين و حدهم بل ان سائر الأديان السماوية تؤمن و تصدّق بمعجزات لأنبيائها.
و في مايخص الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) سجل التاريخ عشرات المعجزات و الکرامات، و نقلها مئات الرواة في أحاديثهم و مروياتهم، و لايقتصر الأمر علي کتب الشيعة وحدهم بل هناک کتب لأهل السنة ضبطت فيها تلک الأعمال الخارقة للمألوف.
ومن مجموع تلک الأحاديث يثبت لنا بأن الأئمة أيضا ً کانت لهم معجزاتهم و أنّهم و في اللحظات الضرورية کانوا يقومون بأعمال خارقة. ويعدّ انّکارها في إطار الايمان بالمذهب الإمامي بمثابة انکار کأصل من أصول المذهب.
ولمن يريد التحقيق في هذا المضمار يمکنه مراجعة الکتب المختلفة من قبيل: «عيون المعجزات» و «بحار الأنوار» و «اثبات الهداة» و «اصول الکافي» و «مدينة المعاجز» و «مناقب ابن شهر اشوب» و «اثبات الوصية» و «شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد» و «دلائل الامامة» للطبري، و سائرکتب الحديث الاخري و الکتب التاريخية.
جدير بالذکر التأکيد علي ان کلّ ما وردفي کتب الحديث من معجزات للأئمة لا يعد صحيحاً ًمئة بالمئة، فهناک ماهو مزور، مجعول، و المهم لدينا ان مجموع الأحاديث يشکل في النهادية دالة علي وجود المعجزة في حياة الأئمة الاثنة عشرو أنّهم قاموا وفي مناسبات معينة أملتها الضرورة بأعمال خارقة للمألوف11.
انکار المعجزات
ينکر بعض ذوي الإقلام المأ جورة المعجزات جملة و تفصيلا و يحاولون المکابرة مستشهدين ببعض آيات القرآن الکريم.
يقول أحدهم12: من المدهش اننا في الوقت الذي نري فيه نبي الإسلام ينکر علمه بالغيب فان هؤلاء (الشيعة) يدعون باطلاع أئمتهم علي الغيب و يسردون في ذلک قصصا ً عن علمهم بالغيب، و في الوقت الذي نري فيه اعتراف نبي الإسلام بعجزه عن الاتيان بالمعجزات والأعمال الخارقة، إذاهم ينسبون لأئمتهم أعمالا خارقة. وفي الوقت الذي نري الناس يواجهون نبي الاسلام: «وقالوالن نؤمن لک حتي تفجّر لنا من الأرض ينبوعا ً أن تکون لک جنّة من نخيل و عنب فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا. أو يکون لک بيت من زخرف أو ترقي في السماء ولن نؤمن لرقيک حتي تنزل علينا کتابا ً نقرأه أو تسقط السماء کما زعمت علينا کسفاً أو تأتي بالله و الملائکة قبيلا» فما اذا کان جواب النبي انه لم يزد علي أن قال «سبحانه هل کنت إلّا بشراً ًرسولا».
ويقول في موضع آخر: ان قانون الوجود ليس لعبة لمن يريد أن يعرض فنونه والاعيبه و ما قيل عن موسي و عيسي و غيرهما من الأنبياء هو مجرّد أکاذيب، لقد اعترف نبي الإسلام بعجزه عن الإتيان بأعمال خارقة و هو أعلي شأناً من موسي و من عيسي و هذا القرآن بين أيدينا13.
وفي معرض الردّ علي مثل هذه التخرصات نقول:
ان من يريد البحث في هذا المضمار عليه أن يبحث في جميع الآيات التي تخص الموضوع ثم يباقشها بعيدا ً عن روح التعصب لا أن تکون له أحکام مسبقة ثم يبنقي الآيات التي تنسجم مع أفکاره ولو في الظاهر. ان التمسک بآية واحدة و نبذ کل الآيات الاخري التي تؤکد صراحة ظاهرة الاعجاز في تاريخ النبوّات. جميعا ً هو ذروة التعسف في إطلاق الأحکام جزافا ً؛ وإلّا کيف نفسر تکلّم عيسي (عليه السلام) في المهد و إحيائه الموتي و انقلاب عصا موسي (عليه السلام) الي ثعبان، و طوفان نوح (عليه السلام) وخروج ناقة من قلب الجبل معجزة لسيدنا صالح (عليه السلام) ؛انّه لمن الوقاحة ان يقول الکاتب: «ان ما ذکر عن موسي و عيسي وغيرهم من الأنبياء هو مجرّد أکاذيب» ! انّه يستشهد بآية في حين يترک الآية التي تسبقها تماماً و هي قوله تعالي:﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ 14.
وفي هذا دلالة صريحة علي ان القرآن الکريم معجزة خالدة في مقام التحدّي ليس للبشر بل وللجن أيضا ً.
ونري الکاتب يغضّ النظر عن هذه الآية ليتمسک بالآيات التي تليها، بالرغم من عدم دلالتها علي نفي المعجزة لأن سيّدنا محمّداً (صلي الله عليه و آله و سلم) ومن خلال الآية يطرح القرآن کمعجزة و يتحدّي الکفّار أن يأتوا بمثله؛ وفي مقابل هذا التحدي و عجز المشرکين عن الاستجابة له راحوا يکابرون قائلين:
- لن نؤمن لک حتي تقجّر لنا من الأرض ينبوعا.
-أو تکون لک جنّة من نخيل و عنب فتفجّر الأنهار خلالها تفجيراً.
-أو يکون لک بيت من زخرف.
-أو ترقي في السماء.
-ولن نؤمن لرقيک حتي تنزل علنيا کتابا ً نقرأه.
-أو تسقط السماء کما زعمت علينا کسفا ً.
-أو تأتي بالله و الملائکة قبيلا.
و في مقابل هذه المکابرة التي لاتنم إلا عن عناد فارغ و عقول لا تريد الإصغاء لمنطق الحق جاءجواب النبي:
- سبحانک هل کنت إلا بشرا ً رسولاً.
وإلّا فهل هناک عاقل يطلب أن يأتي الرسول بالله عزوجل أو يطلب منه أن تسقط السماء عليه کسفاً.فما معني هذا الطلب الذي ينطوي علي تحطيم الوجود بأسره.
وبالرغم من انطواء بعض مطالبهم علي أشياء ممکنة و لکن ينبغي الانتباه الي نقطتين:
الاولي: انّه بالرغم من السموا لنفسي الذي يحظي به النبي و الإمام و إمکان ارتباطهم بعالم الغيب و قيامهم بأعمال خارقة لکن هذا لا يعني الفاء ً لحالتهم البشرية و حاجتهم الي الله عزوجل «وماکان لرسول أن يأتي بآيي إلاباذن الله»﴿ ... وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ... ﴾ 5.
الثانية: ان المعجزة تشکّل استثناء ً في قانون ثابت للطبيعة ينهض علي أساس العلّة و المعلول، فالمعجزة لاتحدث إلّا في اللحظات الضرورية کشاهد علي مصداقية الرسول، بعيداً عن اشکال الاستعراض و العبث.
و من يتأمل الآيات المذکورة يلاحظ تصعيدا ً في المطالب ينضح عناداً و مکابرة و لا ينم من قريب أو بعيد عن عقول حائرة أو قلوب تبحث عن الحق، و مثل هؤلاء عبّر عنهم القرآن يقوله تعالي: «و لو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلّوا فيه يعرجون لقالوا انّما سکّرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون»﴿ وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴾ 15.
إشکال
من الاشکالات التي تثار حول المعجزة هو انتفاء السنخية و غياب الارتباط بين الادعاء والعمل.فمن يدّعي الطبابة مثلا ً يتحدّاه الناس بمعالجة مريض مزمن أو مرض مستعص، لا أن يقولون له: اذا کنت طبيبا ً حقا ً فهل بإمکانک التحليق في السماء؛ إذ لا توجد علاقة بين الطب و الطيران في السماء.
ومن يدعي حمل الشريعة و الأخلاق التي تربّي النفوس علي الفضائل و هدايته للبشر وإتقاذهم من الضلال فان الناس لا يطلبون منه لاثبات صدقه أن يحيي الموت يأويبرئ الأکمه.
وهذه المسألة تنسحب على الأنبياء والأئمة، فمن يدّعي ذلك فإن الناس سيطلبون منه أن يقدّم ما لديه من أنظمة و طقوس للعبادة و أن ينفّذها، فإن وجدوها تطابق العقل و کان لها نتائج طيبة في الحياة ثبتت لهم مصداقية المدّعي و صدق الادعاء؛ لا أن يقولون له لتعرج الي السماء أو تحيي الموتي أو ادع هذه الشجرة لتأتي اليک بعروقها!
الجواب
للإجابة عن هذه الإشکالات نقول ان السنخية موجودة بين الادعاء بالنبوّة و بين المعجزات وان العلاقة بينهما وثيقة للغاية لأن کل الأمر ين خارق للمألوف؛ فمن يدّعي انّه علي ارتباط بعالم الغيب و انّه يوحي اليه من السماء و تأتيه الملائکة تقذف قلبه کلمات الله وانه رسول الله الي الناس؛ فان ظاهرة کهذه تعدّ في حياة البشر أمرا ً خارقاً و ادّعاءً ًضخماً من لدن إنسان عادي يعيش بين الناس يأکل مثل ما يأکلون و يلبس مثل مايرتدون ويمشي مثلهم في الأسواق، لهذا تأتي المعجزات کشواهد علي صدق من يدعي بذلك لأن کلا الأمرين الوحي و المعجزة ينبعان من مصدر واحد و هو الغيب و لعل إشکال الکاتب المذکور يأتي من عدم استيعابه لظاهرة الوحي و النبوّة و اعتبار الأنبياء مجرّد مصلحين لا غير16.