الدُّعاء في الصَّلاة، وهو الذي يُسمّى بالـ "القنوت"، له مرتبة جليلة بين أفعال الصَّلاة، وله معان لطيفة تبرز مدى التصاق العبد بربّه وانقطاعه إليه، ويتفق الفقهاء على استحبابه المؤكّد في خصوص صلوات معينة.
بداية، يعرّف العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض) القنوت ومحلّه في الصلوات واستحبابه كما دلّت بعض الروايات، بقوله:
"القنوت، والمراد به دعاء الله تعالى وحمده وذكره بكيفيّة خاصّة أثناء الصّلاة، ومحلّه في معظم الصّلوات الواجبة أو المستحبّة بعد انتهاء القراءة، وقبل الرّكوع في الركعة الثانية من كلّ صلاة، ما عدا صلاة الجمعة والآيات والعيدين، فإنّه يختلف فيها محلاً وعدداً، وسيأتي بيان ما يتعلّق بذلك عند ذكر أحكام هذه الصّلوات.
وهو مستحبّ في كلّ صلاة واجبة، ويتأكّد استحبابه في الفرائض الجهريّة، وخصوصاً في الصّبح والمغرب والجمعة، كما أنّه مستحبّ في كلّ صلاة مستحبّة، عدا ركعتي الشّفع من صلاة اللّيل، فإنَّ الأحوط الإتيان به فيها برجاء المطلوبيّة."[فقه الشّريعة].
"والقنوت لا يعتبر جزءاً واجباً في الصلاة، بل هو مستحبّ، وذلك من خلال أنّه دعاء، وقد وردت روايات تدلّ على استحبابه بشكل مؤكّد، كما في ما روي عن الإمام الصّادق (ع): "من ترك القنوت رغبةً عنه، فلا صلاة له"، ولكنّ تركه لا يوجب بطلان الصّلاة".[استفتاءات].
قال المحقِّق الحلّي: "اتّفق الأصحاب على استحباب القنوت في كلّ صلاة، فرضاً كانت أو نفلاً مرَّة، وهو مذهب علمائنا كافّة. وقال الشافعي: يستحبّ في الصّبح خاصّة بعد الرّكوع، ولو نسيه، سجد للسّهو، لأنه سنّة كالتشهّد الأوّل، وفي سائر الصّلاة إن نزلت نازلة قولاً واحداً، وإن لم تنزل فعلى قولين".[المعتبر 2/238].
يشير السيّد الخوئي (قده) إلى استحباب القنوت، ولا سيَّما في صلاة الفجر وصلاة الجمعة، بقوله:
"يستحبّ القنوت في كلّ صلاة - فريضةً كانت أو نافلة - مرّةً واحدة، وفي صلاة الجمعة مرّتين؛ مرّة في الركعة الأولى قبل الرّكوع، ومرّة في الركعة الثانية بعده، ويتعدّد القنوت في صلوات العيدين والآيات، ومحلّه في بقية الصلوات قبل الرّكوع من الركعة الثانية، وفي صلاة الوتر قبل ما يركع، ويتأكّد استحباب القنوت في الصلوات الجهريّة، ولا سيّما صلاة الفجر وصلاة الجمعة". [المسائل المنتخبة].
وعن استحباب القنوت، يقول المرجع السيّد علي السيستاني: "القنوت مستحبّ وليس واجباً، فيجوز تركه عمداً".. "ويستحبّ فيه التّكبير، ورفع اليدين حال التّكبير، ووضعهما ثم رفعهما حيال الوجه. وقال بعض الفقهاء (رض): ويستحبّ بسطهما جاعلاً باطنهما نحو السماء وظاهرهما نحو الأرض، وأن تكونا منضمّتين مضمومتي الأصابع إلّا الابهامين، وأن يكون نظره إلى كفّيه". [استفتاءات- موقع السيّد السيستاني].
وعن بعض أحكام القنوت في فقه أهل السنّة، جاء: "اختلفت آراء الفقهاء حول حكم دعاء القنوت، فذهب الشّافعيّة إلى إعادة الصّلاة لمن تركه عمداً على اعتبار أنّه سنّة.
قال الإمام الشافعي ما نصّه: لا أرخّص في ترك القنوت في الصّبح بحال؛ لأنّه إن كان اختياراً من الله ومن رسوله (ص)، لم أرخّص في ترك الاختيار، وإن كان فرضاً، كان مما لا يتبيّن تركه، ولو تركه تارك، كان عليه أن يسجد للسّهو".
وإذا نسيه، سجد سجدتي السّهو، وقد ذكر الدارقطني عن سعيد بن عبد العزيز فيمن نسي القنوت في صلاة الصّبح، قال: يسجد سجدتي السّهو، وعن الحسن في تركه سجود السّهو، وهو أحد قولي الشّافعي.
وعند الجمهور أنّ تركه غير مفسد للصّلاة. وحكى الطبري الإجماع على أن تركه غير مفسد للصلاة.
أمّا إذا نسي القنوت في الوتر، وتذكره في الركوع أو الرفع منه، فإنه لا يقنت، ولو قنت بعد رفع رأسه من الركوع، لا يعيد الركوع، ويسجد للسهو، لزوال القنوت عن محله الأصليّ.
جاء في البحر الرائق: إذا نسي القنوت حتى ركع ثم تذكر، فإن كان بعد رفع الرأس من الركوع، لا يعود، وسقط عنه القنوت.
وقال السرخسي في المبسوط: وإن نسي القنوت في الوتر، ثم ذكر بعد ما رفع رأسه من الركوع، لم يقنت؛ لأنه سنّة فاتت عن موضعها.
وعند المالكيّة، إذا نسي القنوت ولم يتذكّر إلا بعد الانحناء، لم يرجع له، وقنت بعد رفعه من الرّكوع، فلو رجع له بعد الانحناء بطلت صلاته.
ويرى الحنابلة أنّ "الصحيح في المذهب أنّه يكره القنوت في الفجر كغيرها، وعليه الجمهور، وقال في الوجيز: لا يجوز القنوت في الفجر".