أبحاث ودراسات

...

 موقع البلاغ   

الصلاة مدرسة الأخلاق الفاضلة

يظنّ البعض أنّ الصلاة تشكّل عبئاً مادياً ونفسياً على المصلى لأن عليه التنبّه والتيقّظ لأمور قد تغيب عن بال الكثيرين كمراعاة الطهارة، وستر العورة، والأوقات، والتوقّي عن الدنس، وما يقوم به المسلم قبل الصلاة من الأعمال إستعداداً لها، يبدو للوهلة الأولى أنّه يشكِّل عائقاً ويتطلب جهداً وكلفة لأدائه. وما أوجبه الشرعُ على المسلم من مراعاة الشروط والآداب والأحكام المختلفة للصلاة يعودُ ذلك كلّه على الفرد بالنفع والخير. ولا يقتصر النفع والخير على الآخرة بل قد يوجد في الدنيا كذلك، وما على المرء إلا أن يبحث عن هذه المنافع التي تعودُ عليه وعلى مجتمعه بالخير العميم. وإذا ما قارنَ المسلمُ بين ما يبذله من جُهدٍ لأداء الصلاة، سواءٌ كان قبل أدائها أو أثناءه، أو بعده، وبين ما يحصلُ عليه من الثواب والنفع الأخروي؛ لهانَ عليه التعبُ الدنيوي، وسعى جهده لبلوغ الآخرة. ومن الأمور التي تتطلّبُ شيئاً يسيراً من الجهد والعناء في الصلاة ما يلي:

مراعاة الطهارة

والطهارة للمُصلّي ينبغي أن تتوافر في أشياء ثلاثة:

الأوّل: في بَدَن المُصلّي؛ فإن كان على جنابةٍ وَجبَ عليه الغُسل، وإن كان مُحدثاً حدثاً أصغر(*) وَجَبَ عليه الوضوء، وإن كان متوضّئاً استُحِبَّ له تجديد الوضوء.

الثاني: في ثياب المُصلّي حيث لا يجوز أن يُصلّي في ثياب قد تنجّسَت ببولٍ أو غائطٍ أو دم. فإن وقع شيءٌ من هذه النجاسات على الثوب الذي يلبسُهُ – تعيّن عليه – أن يغسلهُ قبلَ الصلاة. فإن لم يقدر فينبغي أن يؤخّر الصلاة إلى أواخر وقتِها إذا كان يأملُ أن يجدَ ثوباً يلبسُهُ من أجل أدائها.

الثالث: في المكان الذي يصلّي فيه فيختار مكاناً لائقاً طاهراً طيّباً نظيفاً؛ وذلك بأن يُصلّي في أفضل مكانٍ في بيته. إذ أنّ إختيار المكان الأفضل لأداء الصلاة يظهر مدى إهتمام المصلي بها وعنايته بشأنها. هذه النظافة الخارجية ينبغي على المسلم أن يراعيها لا أن يقصر إهتمامه عليها، وإنما يجعلها منطلقاً لنظافة أكثر أهمية وأقرب نفعاً ألا وهي نظافة القلب.. ونظافته تكون بالتوبة والندم على التفريط، والعزم على عدم العود، والتصميم على ترك تلك الرذائل مستقبلاً. فلا يكون ذا معنى أن يقصرَ المسلمُ نظافته على ما حوله ويقف بين يدي ربه نظيفاً في ثوبه وبدنه ومكانه؛ وقد شحَنَ قلبَهُ بالمساوىء والعيوب والنقائص.. ويعرضُ نفسه على ربِّه قلباً وقالباً طالباً هدايته، راجياً عفوهُ، خائفاً من ذنبه؛ وهو يعلمُ نظافة الخارج محط نظير الخلق، ونظافة الباطن محطّ نظر الحق جلّ وعلا. فكان السعي لطهارة الباطن من متطلّبات الصلاة.

 سترة العورة

وهي أجزاءُ البدنِ التي يُقبَحُ كشفُها وعَرضُها للناس، ولذا سُمّيَت عورة. ولئن كان سترُ العورة بضع دقائق مطلوبٌ لمناجاة الله تعالى، مع أنّ اللباس يحقّقُ سترها عن عيون الخلقِ، فإن ستر العورات التي في داخل النفس البشرية أهمّ وأجدى.

لأن كل إنسانٍ فينا لا يخلو عن عيوب ونقائص يجتهد في اخفائها عن الناس، ويكره ويستاءُ إذا ظهرت وكُشِفَت، وكيف يتهيّأُ أن يخفيها عن ربّه. والله تبارك وتعالى لا تخفى عليه خافية؛ فكان التخلص من هذه المشكلة بسعي الإنسان بتطهير باطنه وتزكية نفسه مما يقبِّحُ ويُشينُ من سائر الرذالات النفسية، وإنّ سَتْرَ هذه القبائح لا يتمُّ إلا بالندم والحياء والخوف.

استقبال القبلة

ويقف المصلّي قائماً متوجّهاً إلى القبلة، ويزاوجُ بين رجليه، ولا يضمّهما، ولا يباعدُ بينهما كثيراً. وقد نهى (ص) عن الصفن والصفد في الصلاة. والصفن هو رفع إحدى الرجلين والاتكاء على الأخرى، والصفد هو إقتران القدمين معاً.

هذه الكيفية في الوقوف تُعين المُصلّي على الثبات في وقوفه وتساعد على الخشوع في المناجاة لأنّ الوقوف على هذا النحو هو أقرب إلى راحة الواقف.

وهناك قبلتان للمُصلّي؛ قبلةٌ لبدنه بالتوجّه إلى الكعبة وهي شرطٌ لصحة الصلاة، وقبلة لروحه وهي التوجّه إلى الله تعالى أثناء الصلاة وهي شرطٌ لقبول الصلاة والإثابة عليه إذ "إنّ الله لا يقبل دعاءً مِن قلبٍ غافل".

الاعتدال في القيام

إن شاءَ المصلّي رفع رأسه، وإن شاء أطرَقَ. والإطراقُ أقربُ للخشوع وأغضُّ للبصر. وليكن بصرُه محصوراً على موقع سجوده. والإقتراب من جدارٍ أو سارية يُعينُه على حفظ بصره. وليمنَع بصره أن يتجاوز حدود سجوده، وعليه أن يدوم على هذه الحال من عدم الإلتفات في كل الركعات.

إنّ القيام في الصلاة هو مُثولٌ بالنفس والقلب بين يدي الله عزّوجلّ. فليكُن رأسُه مطرقاً مطأطئاً، وليكُن إحناءُ الرأسِ عن إرتفاعه تنبيهاً على إلزام القلبِ التواضع والتذلّل والتبرّي عن الترؤس والتكبّر، وتذكّر قيامكَ يوم القيامة بين يدي الله عزّوجلّ للعرضِ والسؤال، وقِفْ بين يدي الله تعالى في الصلاة كما تَقِفُ بين يدي الرجل الكريم الصالح من قومك.

النية

ينوي الصلاة التي يصلّيها أهيَ فرضٌ أم نفلٌ وأيّ صلاةٍ يصلّي. ويلزمُ المصلّي أن يُحضر في قلبه من يناجي؟ وكيف يناجي؟ وبماذا يناجي؟ فأمّا من يُناجي؟ فإنّه يناجي الله تبارك وتعالى فليَستَحضرْ جلالَ الله عزّوجلّ ومهابتَهُ في قلبه. وأما كيف يُناجي، فبالإقبال على الله والخشوع وإلتزام كمالِ الأدب. وأمّا بماذا يُناجي؟ فبتدبُّر وتعقّلِ كلّ ما يقولُ ويفعل، وأن يريد بقلبه ما تحمِلهُ هذه الأقوال والأفعالُ من معاني.

التكبير

إذا أحضر المُصلّي في قلبه المعاني السابقة رفع يديه إلى محاذاة منكبيه بحيث يُحاذي بكفَّيْهِ منكبيه، وبإبهاميه شحمتي أُذنيه، وبرؤوس أصابعه رؤوس أُذنيه، ويكون مقبلاً بكفّيه وإبهاميه على القبلة، ويبسط الأصابع ولا يقبُضها، ولا يتكلّف تفريجها ولا ضمّها؛ بل يترُكها على طبيعتها، ويرفع اليدين ثمّ يكبِّر.

إذا نطق لسانك بالتكبير فلا ينبغي أن يكذبه قلبك. فإن كان في قلبك شيءٌ تعتقد أنّه عندك أكبر من الله سبحانه، فالله يشهد إنك لكاذبٌ عندما تقول "الله أكبر" وفي ظنّك من هو أكبر من الله تعالى. وإن كان الأمر كذلك فبادر إلى التوبة والإستغفار وحُسن الظنِّ بكرم الله تعالى وعَفوِهِ، واجعل في قلبك أنّ الله تبارك وتعالى أكبر من كل كبير وأعظم من كل عظيم.

 

 


(*) الحَدَث: قضاءُ الحاجة من بَول أو براز، أو إخراجُ ريح من الدُّبُر، ويصيرُ المرءُ بذلك كلّه مُحدثاً حَدَثاً أصَغر.