أبحاث ودراسات

...

 الحوزة   

المضمون الروحي لفريضة الحج

يقول علي (ع) في خطبة له في نهج البلاغة وهو يتحدث عن الحج وغاياته العظيمة "... حتى يهزوا مناكبهم ذلّلاً يهلّلون لله حوله،  ويرملون على أقدامهم شعثا غبرا له،  قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم،  وشوهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم...".

لابد للعبادة أن تكون غنية بالمضمون الروحي، لأن الهدف الأساس من تشريعها أن تساهم في معرفة الله تعالى وتقوي علاقة الإنسان به، وإذا ظهر ذلك قويًا وجليا في الصلاة لأنها معراج كل تقي، وفي الصوم لأنه مشفى القلوب ومغذيها بمعين التقوى، فإن ظهوره في فريضة الحج لا يقل قوة ولا أقل جلاء، فإنك فيه ترحل إلى الله تعالى بكل ما في كلمة الرحيل من مدلول، فإنك تهاجر من وطنك تاركًا أهلك ومالك وجـاهك وحتى ثيابك، وتأتي بيته بعد قطع المفازات والمسافات البعيدة مكابدًا متاعب السفر، كل ذلك ذلك لتؤكد على وحدانيته، والخضوع له بكل ما للخضوع من معنى.

أليس ذلك من تعظيم تلك الشعائر والحرمات التي يؤكد القرآن دائما على أنها الطريق إلى تحصيل التقوى واكتسابها.

يقول علي (ع) في كلمة أخرى "وفرض عليكم حج بيته الحرام الذي.. جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته وإذعانهم لعزته، واختار من خلقه سمّاعا أجابوا اليه دعوته، وصدقوا كلمته، ووقفوا مواقف أنبيائه، وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه، يحرزون الأرباح في متجر عبادته ويتبادرون عند موعد مغفرته...".

وبمقدار الحب يكون مستوى الإستجابة عند العبد مهما بعدت المسافة وشق السفر ولعل ذهاب بعض الأئمة (ع) إلى الحج سيرًا على الأقدام يرمز إلى مستوى الحب الذي بلغوه، وبذلك يكون القلب راغبًا مشتاقًا إلى اللقاء مع الحبيب كيف لا وقد جاء في دعائهم (ع) "واجعلنا ممن ترسخت أشجار الشوق إليك في قلوبهم...".

وهذا الحج بمناسكه يمثل كل هذه المعاني الكبيرة فهذا الطواف بالبيت يؤكد الحاج من خلاله بأن الله هو المحور الذي يجتذب المخلوقات من حوله. وهذا السعي يؤكد إنه هو المبتدأ والمنتهى وأنك بينهما تسعى إليه وتعود إليه.

ورمي تؤكد من خلاله أن لا معبود سوى الله حريٌّ بالتوجه إليه ولا مصدر للأمر والنهي سواه، ومن وضع نفسه موضع ذلك فلابد من رجمه بأحجار الإرادة والحزم.

وأضحية تمثل القربان الذي يقربك إلى الله كلما حدثتك نفسك بالبعد عنه. وكما البداية طواف ففي النهاية طواف لتؤكد بذلك تجديد بيعتك لله وحده وولائك له دون سواه.

وجميع هذا زاد روحي وأي زاد! ففيه تمتزج العقيدة الواضحة الموحدة بالطاعة الخالصة المجردة، وحيث الفكر والمعانات فلابد من وجود الإيمان النقي.