أبحاث ودراسات

...

 الشيخ حسن علي السعيد   

في معنى لفظ الجلالة "الله"

بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي بطن خفيات الأمور، و دلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره، ولا قلب من أثبته يبصره، سبق في العلو فلا شيء أعلى منه، وقرب في الدنو فلا شي‏ء أقرب منه، فلا استعلاؤه باعده عن شي‏ء من خلقه، و لا قربه ساواهم في المكان به، لم يُطلِع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته، فهو الذي تشهد له أعلام الوجود على إقرار قلب ذي الجحود، تعالى الله عما يقوله المشبهون به والجاحدون له علوًا كبيرًا.

اللهم واجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك على محمد عبدك ورسولك، الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق، والمعلن الحق بالحق، والدافع جيشات الأباطيل، والدامغ صولات الأضاليل، وعلى آله الطيبين الأخيار، المصطفين الأبرار، المعصومين الأطهار.

أما بعد، فالله عز وجل جعل له هذا الاسم وهو "الله" لا من لهو ولا لعب أو من غير تدبير بل جعله من حكمة، فلو بحثنا في بيان معنى لفظ الجلالة في اللغة العربية، لاستوضح لنا الأمر، و أذكر هنا نقاط:

أولاً: لو نظرنا في طريقة لفظ كلمة "الله" لوجدنا أن آلية ذكر اسمه سبحانه وتعالى على اللسان البشري لها نغمة متفردة، فمكونات حروف اسم الله دون الأسماء جميعها، فإنه يأتي ذكره من خالص الجوف، لا من الشفتين، فلفظ الجلالة لا تنطق به الشفاه، فسبحانه وتعالى عما يصفون.

ثانيًا: أن لفظ الجلالة جاء من كلمة "الإله" وتعني لغةً "المعبود" وقيل "من يستحق العبادة"، وقال الخليل: اسم "الله" من الأسماء التي لا يجوز الاشتقاق منها، وعارضه الهيثم فقال بالاشتقاق، وقال: إن الأصل هو "إلاه"، فأدخلت الألف واللام تعريفًا، فقيل "الإلاه"، ثم حذف العرب الهمزة استثقالاً لها، فحَوَّلوا كسرتها في اللام التي هي لام التعريف التي لا تكون إلا ساكنة، فقالوا: "ألِلاه"، فالتقى هنا لامان متحركتان فأدغموا الأولى في الثانية، فصارت بعد ذلك "الله".

ثالثًا: قيل أن أصل كلمة "إله" هو "ولاه" فقلبت الواو همزة، وقيل أن معنى "ولاه" هو "من الخلق يولهون إليه في حوائجهم، ويضرعون إليه في كل ما ينوبهم".

رابعًا: إن كلمة "اللهم" قال فيها الخليل وسيبويه أنها بمعنى "يا الله" وأن الميم المشددة عوض من "يا"، وقال غيرهما كالفراء أن معنى كلمة "اللهم" هو "يا الله أمَّ بخير".

خامسًا: إن كلمة الله عند العرب تعني "خالق السماوات والأرض".

سادسًا: أن اسم "الله" كلما أسقطنا منه حرفًا، فالحروف الباقية اسم من أسماء الله، ولك هذه الصور:

1- لو أسقطت الهمزة:

قال تعالى: (ولله خزائن السماوات والأرض).المنافقون/7

2- لو أسقطت اللام الأولى:

قال تعالى: (الله لا إله إلا هو).الزمر/6

3- لو أسقطت الهمزة واللام الأولى:

قال تعالى: (له ما في السماوات وما في الأرض).البقرة/255

4- لو أسقطت الهمزة واللامان الأولى والثانية:

قال تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا).البقرة/29

سابعًا: من ناحية الإعجاز القرآني، فقد ذكر الأسم الكريم أي اسم "الله" في القرآن 2699 مرة، وقد ورد على خمس صور (الله، فالله، تالله، بالله، لله)، وقد تكررت هذه الصور 2699 مرة وهذا العدد عدد فردي أي وتري، و"إن الله وتر يحب الوتر"، وهو أيضًا عدد أولي أي أنه لا يقبل القسمة إلا على نفسه أو الواحد، ولو لاحظت فإن اسم "الله" هو الأكثر ورودًا وتكرارًا في كتاب الله المجيد.

وأخيرًا أقول ما قال الله عز وجل في كتابه: ﴿بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيْمِ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾.

 

والحمد لله رب العالمين

 

حسن علي محمد آل سعيد

يوم الاثنين

21 جمادى الآخرة 1430هـ

 

 

المصادر:

القرآن الكريم، نهج البلاغة، لسان العرب، كتب ومصادر أخرى كثيرة.